مكتبة سماحة العلامة السيد علي الأمين


الرئيسية الرئيسية التسجيل دخول

لقد دخلت بصفة ضيف | مجموعة 

السبت, 2024-05-18, 10:10 AM

[ رسائل جديدة · المشاركين · قواعد المنتدى · بحث · >> ]
  • صفحة 1 من%
  • 1
منتدى » ندوات ومحاضرات » الطرح المعتدل في الدين والسياسة » الإسلام والحداثة
الإسلام والحداثة
samiالتاريخ: الجمعة, 2012-11-02, 2:01 PM | رسالة # 1
0
عضو مؤسس
مجموعة: المدراء
رسائل: 1054
سمعة: 0
الاسلام و الحداثة Islam and Modernity

14 / 01 / 1999

بسم الله الرحمن الرحيم

الإسلام والحداثة

Islam & Modernity
Sayyed Ali El-Amine ,Helisinki University , Finland

خطاب العلامة المجتهد
السيد علي الأمين
- جامعة هلسنكي – فنلندا-1999م

· موضوع الاسلام والحداثة يتناول بعض السدود و الحواجز التي منعت ولا زالت من التقارب و التواصل بين الشعوب.
· هل تستطيع النصوص الدينية وهي من مقولة الالفاظ ذات الدلالة المحددة أن تستجيب لمتطلبات العصر؟
· النصوص الدينية وإن كانت جامدة بلحاظ عالم الألفاظ وقديمة بلحاظ عالم الزمن ولكنها تشتمل على قواعد عامة.
· أحكام النصوص الدينية فيها الشمول والعموم وهذه الصفة تجعلها مرنة قابلة للخروج من حدود الزمان والمكان.
· المجتهد المعاصر يمكنه الرجوع إلى تلك العمومات وأن يستخرج المسألة المستحدثة.
· الواقع المعاصر قد يشكل نقطة تضيء جوانب كانت خفَّية في النصّ الديني لعدم كون المسألة في تلك المرحلة في معرض الإبتلاء والتساؤل.
· قاعدة سلطنة الإنسان على مالهِ ونفسه يمكن أن تستخدم في مجالات حياتية أخرى.
· يمكن للفقيه المعاصر أن يتساءل لماذا تكون هذه القاعدة مختصةً بحرية الإنسان في معاملاته التجارية ولا يكون حراً في معتقداته الفكرية وفي شؤونه الشخصية وليس في النص الديني ما يمنع من الأخذ بعمومه أو التمسك بإطلاقه؟
· لو كانت الشرائع السماوية ومنها الشريعة الإسلامية لا تتسم بالمرونة التي تجعلها تتجاوز زمن نزولها، لبقيت الحاجة إلى شرائع أخرى مستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
· النتائج التي توصل إليها الفقهاء القدامى ليست نتائج نهائية وليست داخلة تحت عنوان المقدس الذي لا يجوز مخالفته.
· النصوص الدينية وإن كانت داخلة تحت عنوان المقدَّس ولكنّها ليست نصوصاً مغلقة لما عرفت من إشتمالها على العموم الذي يجعل منها نصوصاً مرنة وغير جامدة.
· النتائج الفقهية التي توصل إليها الفقهاء السابقون ليست من المقدس في شيء لأنها تعبير عن أفهامهم للنص الديني وفهم إنسان ليس دليلاً على بطلان فهم إنسان آخر.
· ما دام باب الإجتهاد في الشريعة مفتوحاً فإنه يلغي الجمود على فتاوى السلف الصالح.
· الفقيه المختص قد يكون عند فقدان النص اعتمد على إجماع أو على قاعدة عملية هي غير ثابتة عند فقيه آخر.
· كيف يدعى الإجماع في مسألة وقد يكون النقاش في أصل الإعتماد على الإجماع دليلاً وحجة في حد نفسه أوفي دائرة الحجية سعةً وضيقاً.
· العملية الإجتهادية لا تكون مخالفة لصفة الثبات المأخوذة من النص الديني القائل:(حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة).
· حركة الإجتهاد تتسع مساحتها للنقاش في مستندات الأحكام ولا تطعن في ثبوت الحكم واستمراره على تقدير اليقين بصدوره.
· إن النص الديني الذي يستفاد منه صفة الدوام للحكم يتحول إلى قضية شرطَّية لا يثبت فيها المشروط بدون ثبوت الشرط. أي إن كان هذا الحلال حلال محمدٍ فهو باقٍ إلى يوم القيامة.
· الإجماع دليل صامت وليس دليلاً ناطقاً لنأخذ بعمومه أو خصوصه، فيؤخذ بالقدر المُتَّيقن الذي يكشف عنه الإجماع يقيناً وأما ما زاد على ذلك فلا يكون الإجماع دليلاً عليه وليس حجةً فيه.
· الإجماع على تحريم زواج المسلمة من غير المسلم يخضع لحركة الإجتهاد ولا يكون مؤداه نهائياً ولا يجعل الباب مغلقاً حول هذه المسألة وأمثالها لأن الاجتهاد لا يعطي صفة القداسة.
· الفتاوى هي نتائج لحركة الإجتهاد وليست نصوصاً دينية بالمعنى التشريعي والمقدس عندنا هو نفس النص الديني على تقدير ثبوته وأما فهم النص الديني فليس من المقدسات التي لا يجوز تجاوزها.
· المسلم الذي يتزوج من المرأة الكتابية فإنه لا يكون مسلماً إلا إذا قبل وأحترم معتقد زوجته الكتابية فهو لا يكون مسلماً إلا إذا آمن بعيسى المسيح والنبي موسى وسائر الأنبياء .
· الاستدلال الضعيف يدلنا على أن الإجماع الُمدَّعى يستند إلى وجهٍ ضعيف وما يستند إلى الضعيف يكون ضعيفاً ولا أقل من الإحتمال فيبطل حينئذٍ الإستدلال ويؤخذ بالمقدار الذي يكشف عنه الإجماع على سبيل الجزم واليقين.
· أرى أن الحداثة لا تعني ترك النص القديم بل قد تعني فيما تعنيه ترك الفهم القديم والذي كان سائداً.
· التجارب العلمية الإجتماعية والأفكار الحديثة من الفقيه المطلع عليها تجعله أعمق رؤية وأكثر اقتداراً على استكشاف وجوه جديدة من النص الديني الذي يتسم بالمرونة أصلاً.
· إذا تعارض الدليل النقلي مع الدليل العقلي فإن التقديم يكون لدليل العقل.
· في كثير من الأحاديث الدينية التأكيد على مكانة العقل وتجديد النظر والفكر في المسائل والقضايا الموروثة والتي قد يعتبرها البعض من الأمور اليقينية التي لا تحتاج إلى الإستدلال لكونها أصبحت جزءاً من الفكر والسلوك.
· إن اعتماد العقل مصدراً من مصادر التشريع بل مصدراً لمحاكمته أيضاً هو الذي جعل النصوص الدينية تتجاوز حدود الزمان والمكان.
· الإسلام منفتح على الحداثة ولا يعتبر الصيغة التي طرحت في القرون السابقة هي الصيغة الوحيدة المغلقة.
· العمومات والإطلاقات تتسع لأفراد جديدة من العام والمطلق لم تكن موجودة في عصر صدور النص.
· عملية التشريع من أول الأمر تشتمل على المساحة الأوسع حتى خارج دائرة النصوص الدينية الخاصة.
· البشر قد يخطئون وقد يصيبون ويبقى الإسلام يحثهم على اكتشاف الأفضل والجديد.
· إضفاء الطابع الإلهي على كثير من التصرفات التي يقوم بها الحاكمون متعمدين إشاعة المفاهيم والأفكار الخاطئة عن حقوقهم وحقوق الأفراد والجماعات لتبقى سيطرتهم على تلك الشعوب الضعيفة.

نص الخطاب:

يسعدني في هذا اللقاء وأنا في هذا الصرح العلمي الجليل( جامعة هلسنكي ) والذي يعتبر حصناً ممن حصون العلم والمعرفة المعد لخدمة الإنسان والحقيقة أن أتقدم من رئيس الجامعة وأعضاء الهيئة التعليمية والطلاب والحضور الكرام جميعاً بأسمى آيات الشكر والإمتنان على إتاحة هذه الفرصة لي للتحدث عن موضوع يعد في غاية الأهمية لأنه يتناول بعض السدود والحواجز التي منعت ولازالت من التقارب والتواصل بين الشعوب والثقافات المتعددة ووقفت عائقاً في كثير من الأحيان والمناطق دون تقدم الإنسان فيها وتطور حياته الإجتماعية والسياسية ، وهو موضوع ( الإسلام والحداثة ).
والسؤال الذي يطرح إبتداءاً على بساط البحث أنّ الإسلام كدين سماوي اشتملت عليه النصوص الدينية من آيات قرانية ومن أحاديث نبوية هل تستطيع هذه النصوص الدينية وهي من مقولة الألفاظ ذات الدلالة المحددة قد نزلت في زمن مضت عليه عدة قرون –أن تستجيب وهي على دلالتها المحددة والضيقة أحياناً لمتطلبات العصر الحديث في قضايا الإنسان المعاصرة في التشريعات والنظم السياسية والإجتماعية والإقتصادية والنواحي الحياتية والفكرية الأخرى ؟
ومن خلال العودة إلى الّنصوص الدينية نستطيع الإجابة على هذا التساؤل بالإيجاب وذلك لأن النصوص الدينية وإن كانت جامدةً بلحاظ عالم الألفاظ وقديمةً بلحاظ عالم الزمن ولكنها تشتمل على قواعد عامة وعلى أحكام فيها الشمول والعموم وهذه الصفة تجعلها مَرِنةً قابلةً للخروج من حدود الزمان والمكان الضيقين لتَصِلَ إلى قضايا الإنسان العامة والمعاصرة أيضاً.
فالمجتهد المعاصر عندما يتصدّى لعملية استنباط الأحكام الشرعية من النصوص الدينية يمكنه الرجوع إلى تلك العمومات وأن يستخرج الإجابة على المسألة المستحدثة لأن الواقع المعاصر قد يشكل نقطة تضيء جوانب كانت خفَّية في النصّ الديني لعدم كون المسألة في تلك المرحلة في معرض الإبتلاء والتساؤل.

ولنضرب لذلك مثلاً فنقول:
توجد قاعدة فقهية مأخوذة من النصوص الدينية وهي قاعدة سلطنة الإنسان على مالهِ ونفسه(الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم) وقد استخدمها الفقهاء القدامى كدليل شرعي على إمضاء المعاملات التجارية الحاصلة بين الأفراد من بيع وشراء وإجارة وهبة وغير ذلك.
ونتيجة لإستعمال الفقهاء لها في باب المعاملات التجارية أصبح يُخَيَّلُ لدينا أن الإستدلال بهذه القاعدة منحصر في الباب المذكور الذي دخله الفقهاء وركزوا البحث عليه. بينما نرى أن المجتهد اليوم يمكنه أن يستخدم هذه القاعدة في مجالات حياتية أخرى ويستفيد منها مضموناً آخر يرتبط بعالم السياسة والفكر والعقيدة حيث يمكن من خلال ما تفرضه الحداثة من تساؤلات عن حرية الفرد في فكره واعتقاده وانتمائه السياسي واختياره لنظام الحكم الذي يريد – يمكنه من خلال هذه التساؤلات أن يكتشف جوانب جديدة كانت غائبة عن أذهان الفقهاء ولم تصل إليها أفهامهم لأنها لم تكن تساؤلات مطروحة في ذلك الزمن .
فيمكن للفقيه المعاصر أن يتساءل لماذا تكون هذه القاعدة مختصةً بحرية الإنسان في معاملاته التجارية ولا يكون حراً في معتقداته الفكرية وفي شؤونه الشخصية وليس في النص الديني ما يمنع من الأخذ بعمومه أو التمسك بإطلاقه؟
وهذه الشمولية التي يبحث عنها الفقيه المعاصر ومن سبقه منشأها الإعتقاد بأن الله سبحانه وتعالى لا يختص خطابه بالحاضرين في زمن التشريع فهو العالم بما يحتاج إليه الخلق في مختلف الأعصار وإلاّ لما توقّف بعث الأنبياء والرسل وإنزال الشرائع معهم.
فلو كانت الشرائع السماوية ومنها الشريعة الإسلامية لا تتسم بالمرونة التي تجعلها تتجاوز زمن نزولها، لبقيت الحاجة إلى شرائع أخرى مستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وقد جاء في القرآن الكريم ما يشير إلى هذا المعنى من التكامل بين الشرائع السماوية:
( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) سورة الشورى-آية-13-.
وتنشأ هذه الشمولية أيضاً من المشرع وهو الله الخبير بما يحتاج إليه الإنسان من تشريعات كما في قوله تعالى:
( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)سورة الملك-آية-14-.
ومن خلال العرض المقدم نستكشف أن النتائج التي توصل إليها الفقهاء القدامى ليست نتائج نهائية وليست داخلة تحت عنوان المقدس الذي لا يجوز مخالفته.
وبعبارة أخرى إن النصوص الدينية وإن كانت داخلة تحت عنوان المقدَّس ولكنّها ليست نصوصاً مغلقة لما عرفت من إشتمالها على العموم الذي يجعل منها نصوصاً مرنة وغير جامدة هذا مضافاً إلى أن النتائج الفقهية التي توصل إليها الفقهاء السابقون ليست من المقدس في شيء لأنها تعبير عن أفهامهم للنص الديني وفهم إنسان ليس دليلاً على بطلان فهم إنسان آخر ولذلك فما دام باب الإجتهاد في الشريعة مفتوحاً فإنه يلغي الجمود على فتاوى السلف الصالح وهذا يمنح فرصة أخرى للنص الديني للخروج من طور الجمود إلى طور الحركة التي تستجيب لمنطق التغير والحدوث والمواكبة لمتطلبات الحاضر والمستقبل .

- عملية استنباط الأحكام الشرعية بين الثابت والمتحرك :

إن الحكم الذي يصل إليه الفقيه من خلال حركة الإجتهاد قد يكون معتمداً على نصًّ جليًّ وواضح الدلالة ويقينّي الثّبوت والصُّدور وهو ما يسمى عادةً بالدليل القطعي سنداً ودلالةً وفي هذه الحالة يكتسب الحكم صفة الثبات والدوام وهذه الحالة ليست من الحالات الشائعة والكثيرة في عملية الإستنباط التي يقوم بها المجتهد لمعرفة الحكم في واقعة من الوقائع.
وقد يكون الحكم الذي توصل إليه المجتهد ليس معتمداً على النص وذلك إما لإجماله أو لفقدانه وهذه الحالة تعتبر من الحالات الشائعة في عمليات الإستنباط التي يقوم بها المجتهد وفي هذه الحالات يعتمد الفقيه على قواعد عملية يرجع أليها في حالات فقدان النص الديني أو إجماله وحينئذٍ لا تكتسب الأحكام المستنبطة صفة الثّبات والدّوام ولا تعتبر أحكاماً نهائية ونتائج مغلقة لأن الفقيه المختص قد يكون عند فقدان النص اعتمد على إجماع أو على قاعدة عملية هي غير ثابتة عند فقيه آخر.
وقد يناقش في انعقاد الإجماع على مسألة ما لأنها من المسائل المستحدثة.
فكيف يُدَّعى فيها الإجماع وقد يكون النقاش في أصل الإعتماد على الإجماع دليلاً وحجة في حد نفسه أوفي دائرة الحجية سعةً وضيقاً.
وفي كل الأحوال لا يكون الحكم الذي وصل إليه المجتهد حكماً نهائياً وهذه العملية الإجتهادية لا تكون مخالفة لصفة الثبات المأخوذة من النص الديني القائل:
(حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة)
وذلك لأن النتيجة التي توصل إليها بأدواته العلمية لا تكشف عندنا كشفاً يقينياً أنها من الحلال أو الحرام الصادرين عن النبي وبالتالي لا تكون مخالفة لعنصر الثبات والدوام المستفاد من النص الديني السابق وأمثاله .
فحركة الإجتهاد تتسع مساحتها للنقاش في مستندات الأحكام ولا تطعن في ثبوت الحكم واستمراره على تقدير اليقين بصدوره.
وبعبارة أخرى إن النص الديني الذي يستفاد منه صفة الدوام للحكم يتحول إلى قضية شرطَّية لا يثبت فيها المشروط بدون ثبوت الشرط. أي إن كان هذا الحلال حلال محمدٍ فهو باقٍ إلى يوم القيامة والمجتهد يتصدى لإتبات هذا الشرط وقد لا يرى مجتهد آخر من خلال قناعاته العلمية توفر الأدلة على تحقق الشرط وثبوته.
مثال آخر:
ونعطي مثالاً آخر لمعالجة حركة الإجتهاد الديني لمسألة من مسائل الحداثة قد تشكل نموذجاً لتحديث الفهم للنصوص الدينية وإمكان استجابتها للحوداث المستجدة.
قد طرحت الحداثة مجموعة من التساؤلات حول قضايا الإنسان والمجتمع. منها على سبيل المثال مسألة الزواج المختلط بين المسلمين والمسيحيين في لبنان وغيره من دول العالم.
والمعروف بين الفقهاء القدامى والمعاصرين أنهم قد ذهبوا قولاً واحداً إلى تحريم زواج المرأة المسلمة من الرجل المسيحي بينما أفتوا بجواز زواج الرجل المسلم من المرأة المسيحية .
وقد طرحت هذه المسألة عليَّ في ندوة فكرية حصلت في أستراليا قبل سنوات عديدة وقد ذكرت في الإجابة على هذه المسألة :
أنَّ بعض الأحكام قد يُدَّعى أنها من المسائل التي قام عليها الإجماع من الفقهاء والإجماع يعتبر من أدلة التشريع الإسلامي ويمكن أن يقبل أصل الدعوى قبل الدخول في التفاصيل لأنه بالإمكان أن يحصل إجماع على مسألة من هذا القبيل.
ولكن بما أن الإجماع دليل صامت وليس دليلاً ناطقاً لنأخذ بعمومه أو خصوصه، فيؤخذ بالقدر المُتَّيقن الذي يكشف عنه الإجماع يقيناً وأما ما زاد على ذلك فلا يكون الإجماع دليلاً عليه وليس حجةً فيه.
ولتوضيح هذه الفكرة نطبقها على مسألة الزواج المختلط وهي زواج المسلمة من الرجل غير المسلم إذا كان من أهل الكتاب(التوراة والإنجيل) وزواج الرجل المسلم من المرأة إذا كانت من أهل الكتاب مسيحيةً كانت أو يهودية.
وهذا الإجماع يخضع لحركة الإجتهاد ولا يكون مؤداه نهائياً ولا يجعل الباب مغلقاً حول هذه المسألة وأمثالها لأن الاجتهاد لا يعطي صفة القداسة والنهائي للنتائج التي يتوصل إليها المجتهد لأنها تعبير عن فهم خاص به .والفتاوى هي نتائج لحركة الإجتهاد وليست نصوصاً دينية بالمعنى التشريعي والمقدس عندنا هو نفس النص الديني على تقدير ثبوته وأما فهم النص الديني فليس من المقدسات التي لا يجوز تجاوزها.
وعلى هذا فبالإمكان أن ينظر الفقيه في هذه المسألة مجدداً رغم تداول المنع بين الفقهاء فيناقش في هذا الإجماع المدعى وأنه مختص بحالة الرفض لمعتقد المرأة المسلمة وعدم احترامه لها.
المسلم الذي يتزوج من المرأة الكتابية فإنه لا يكون مسلماً إلا إذا قبل وأحترم معتقد زوجته الكتابية فهو لا يكون مسلماً إلا إذا آمن بعيسى المسيح والنبي موسى وسائر الأنبياء .
وقد جاء في القرآن الكريم ما ينفي صفة الرفض للإسلام كدين سماوي عن أهل الكتاب من دون أن تعمل به.
فقد تحترم ديناً ولكنك لا تعتقد به وقد تؤمن به كدين سماوي من دون أن تعمل بأحكامه وفي القرآن الكريم إشارة إلى هذا المعنى:
(وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم ما أنزل إليهم خاشعين لله ولا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب ) سورة آل عمران-آية-199-
وأيضاً قوله تعالى:
(ولتجدَّن أقربهم مودةً للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون)سورة المائدة-آية-82-.
والحاصل أنه عندما يكون هناك احترام متبادل للعقائد والأديان السماوية، لا تكون هذه الحالة مشمولة للإجماع المدعى كما أنها غير مشمولة للحكمة المستفادة من المنع القائم في تزويج المشركات والمشركين وهي حكمة الإستقرار حفاظاً على الاستمرار في العلاقة الزوجية.
هذا ما تقتضيه أصول البحث العلمي في عملية استنباط الحكم الشرعي وقد رأينا أن بعض الفقهاء يستند في المنع من الزواج المختلط إلى آية المنع عن التزاوج مع المشركين ويفتي في نفس الوقت بجواز زواج الرجل المسلم من المرأة الكتابية وفي هذا تناقض واضح وخروج عن النهج المألوف في عملية الاستنباط للأحكام الشرعية وهذا الاستدلال الضعيف يدلنا على أن الإجماع الُمدَّعى يستند إلى وجهٍ ضعيف وما يستند إلى الضعيف يكون ضعيفاً ولا أقل من الإحتمال فيبطل حينئذٍ الإستدلال ويؤخذ بالمقدار الذي يكشف عنه الإجماع على سبيل الجزم واليقين وهي صورة عدم الإحترام المتبادل بين الطرفين على مستوى العقائد والأديان السماوية .
وقد ذكرت هذه المسألة مع شيء من التطويل لأعطي مزيداً من التوضيح لفكرة إمكان تجاوب عملية الإستنباط مع المسائل المستحدثة من دون التخلي عن النصوص الدينية.
ولا يعد هذا اللون من الاستدلال والتجديد خروجاً عن الإسلام ولا يُعدُّ أيضاً خروجاً عن المناهج المألوفة في عملية الاستنباط.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الإسلام يمكن أن ينفتح على الحداثة ويمكن أن يصل الفقيه المعاصر إلى نتائج تختلف عن النتائج التي توصل إليها الفقهاء القدامى.
ومن هنا فإني أرى أن الحداثة لا تعني ترك النص القديم بل قد تعني فيما تعنيه ترك الفهم القديم والذي كان سائداً وهذا لا يتنافى مع الإسلام المنفتح على الجديد من خلال حركة الإجتهاد التي تغنيها التجارب العلمية الإجتماعية والأفكار الحديثة لأنها من الفقيه المطلع عليها أعمق رؤية وأكثر اقتداراً على استكشاف وجوه جديدة من النص الديني الذي يتسم بالمرونة أصلاً لاشتماله على العمومات والإطلاقات التي تتسع لأفراد جديدة من العام والمطلق لم تكن موجودة في عصر صدور النص خصوصاً وأن هناك جملة من القواعد تعالج الحالات التي لم يرد فيها نصُ أصلاً وهذا يعني أن عملية التشريع من أول الأمر تشتمل على المساحة الأوسع حتى خارج دائرة النصوص الدينية الخاصة.
-ويضاف إلى الأمر السابق أمرٌ آخر يجعل من التشريع الإسلامي ماضياً وحاضراً يتناول بأصوله وقواعده ونصوصه المسائل المستحدثة. وهذا الأمر هو العقل. حيث إن الفقهاء عندنا يعتبرون العقل من مصادر التشريع الهاَّمة وقالوا إذا تعارض الدليل النقلي مع الدليل العقلي فإن التقديم يكون لدليل العقل وقد جاء في القرآن الكريم وفي كثير من الأحاديث الدينية التأكيد على مكانة العقل وتجديد النظر والفكر في المسائل والقضايا الموروثة والتي قد يعتبرها البعض من الأمور اليقينية التي لا تحتاج إلى الإستدلال لكونها أصبحت جزءاً من الفكر والسلوك.
وقد ذمَّ القرآن الكريم أولئك الذين كانوا يمنحون إجازة لعقولهم معتمدين على المعلومات الموروثة بدون تحقيق كما جاء في قوله تعالى:
( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، أَوَلَوْ كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون)البقرة-170
(إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون)الزخرف-22-
وهناك آيات كثيرة تأمر بالتفكر وتطالب بالتعقل وفي بعض النصوص الدينية ورد أن لله حجتين على العباد حجة ظاهرة وهم الرسل والأنبياء وحجة باطنة وهو العقل.
وفي الحقيقة إن اعتماد العقل مصدراً من مصادر التشريع بل مصدراً لمحاكمته أيضاً هو الذي جعل النصوص الدينية تتجاوز حدود الزمان والمكان وهو الذي أخرج النصوص عن دائرة الانغلاق إلى عالم المرونة والإنفتاح على مسائل العصر ومحاولة الإجابة على تلك التساؤلات.
ولهذا نقول أن الإسلام منفتح على الحداثة ولا يعتبر الصيغة التي طرحت في القرون السابقة هي الصيغة الوحيدة المغلقه وكذلك الحال بالنسبة إلى بعض الأطروحات السياسية الإسلامية المعاصرة فإنها لا تشكل الصيغة الُمثلى لأنها صيغة تحولت من خلال عالم التطبيق إلى صيغة بشرية والبشر قد يخطئون وقد يصيبون ويبقى الإسلام يحثهم على اكتشاف الأفضل والجديد ولذلك لا نرى مانعاً من تجديد النظر وإعادة القراءة للماضي من خلال متطلبات الحاضر وبذلك ندخل أكثر في عالمنا المعاصر ويمكن أن نزيل الكثير من رواسب الماضي والإلتباسات الحاصلة والمشاكل العالقة في مجتمعاتنا الحديثة التي تتطلب المزيد من الوعي والحرية والمسؤولة لإزالة الكثير من الظلم والحرمان والتخلف بسبب إضفاء الطابع الإلهي على كثير من التصرفات التي يقوم بها الحاكمون متعمدين إشاعة المفاهيم والأفكار الخاطئة عن حقوقهم وحقوق الأفراد والجماعات لتبقى سيطرتهم على تلك الشعوب الضعيفة.
وفي اعتقادي إن الدراسة الجديدة للفكر والتراث على ضوء ما يمكن أن تمنحه الحداثة من سعة في آفاق الفهم والتطلع يمكن أن تساهم إلى حدٍّ كبير في إزالة السدود والعوائق التي تمنع من تقدم جملة من المجتمعات وتساهم في التواصل بين الشعوب والأمم الذي أصبح من ضرورات العصر وأخيراً أتمنى أن أكون قد وفقت في عرض الفكرة عنوان البحث مجدداً شكري وامتناني لكم جميعاً مع خالص المحبة والتقدير.
- والسلام عليكم


 
منتدى » ندوات ومحاضرات » الطرح المعتدل في الدين والسياسة » الإسلام والحداثة
  • صفحة 1 من%
  • 1
بحث: